دخل العدوان على غزة عامه الثالث بينما احتفلت الأمم المتحدة بذكرى تأسيسها الثمانين، وكتبت زها حسن هذا التحليل حول طريقة تداخل الجهود الدولية وخطة السلام الأميركية الإسرائيلية. سعى المؤتمر الذي انعقد في نيويورك تحت عنوان المؤتمر الدولي رفيع المستوى للتسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين إلى خلق زخم لدعم وقف دائم لإطلاق النار وتمكين الفلسطينيين من تقرير مصيرهم. اعتَرَفت نحو 160 دولة بدولة فلسطين قبل المؤتمر وأثناءه، وفرضت دول أخرى عقوبات اقتصادية وقيودًا على نقل السلاح إلى إسرائيل، بينما أصدرت لجنة أممية استنتاجًا يعتبر إسرائيل مسؤولة عن إبادة جماعية في غزة وتطهيرًا عرقيًا في الضفة الغربية.
ذكرت مؤسسة كارينجي أن الاهتمام الدولي انقلب سريعًا بعد أيام نحو خطة سلام من عشرين بندًا أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن، ورحّب الأمين العام للأمم المتحدة ومعظم الدول العربية، بما فيها السلطة الفلسطينية، بجهود الوساطة دون تبنّي البنود التفصيلية للخطة.
ركزت الخطة الأميركية على تصنيف المشكلة كقضية "تطرّف فلسطيني" وطرحت ضرورة وجود طرف ثالث لإدارة شؤون غزة لفترة انتقالية غير محددة إلى أن تُجرى "إصلاحات" مؤسسية فلسطينية. وضعُ هذا الإطار يخالف هدف المؤتمر الذي يسعى إلى دعم السيادة الفلسطينية وفقًا للرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية والقانون الدولي، ويجعل نزع السلاح من المقاومة أولوية قبل إطلاق أي عملية سياسية حقيقية.
دعت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر في يوليو 2024 دول العالم إلى دعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير والمساعدة على تفكيك الاحتلال الإسرائيلي. وجدت المحكمة أن إسرائيل تمارس نظام فصل عنصري في الأراضي المحتلة وأن استمرار الاحتلال العسكري غير قانوني، وأن فرض تنازلات على الفلسطينيين أثناء الاحتلال لا يحظى بشرعيةٍ قانونية.
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة رأي المحكمة ودعت لعقد مؤتمر لتنفيذه، وعملت فرنسا والسعودية كرئيستين مشاركتين للتحفيز على اعتراف دول إضافية بدولة فلسطين ووقّع المشاركون "إعلان نيويورك" الذي تعهّد باتخاذ إجراءات جماعية لإنهاء الحرب في غزة وتنفيذ حل الدولتين ضمن إطار زمني محدد.
قَلَل إعلان الخطة الأميركية الإسرائيلية من زخم هذه المبادرات. فبينما تصف الخطة هدفها بوقف دائم لإطلاق النار، وضعت أولوياتها في نزع السلاح وتجريد غزة من القدرات العسكرية، ثم نقلت التركيز إلى "تنمية" القطاع عبر مجلس سلام بقيادة ترامب لإدارة الاستثمارات لشهور أو سنوات غير محددة، مع إبقاء دور فلسطيني سياسيّ محدودًا وتقنيًا شبيهًا بدور السلطة في الضفة الغربية.
ربطت الخطة عودة دور السلطة في غزة بقبولها إصلاحات غامضة تشمل شروطًا وردت في خطة 2020 لترامب، ومنها وقف الملاحقات القانونية ضد إسرائيليين أمام محاكم دولية. وبالموازاة، كرّر نتنياهو أمام ترامب مطالبته بوقف ما وصفه بـ"الحرب القانونية" ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية. أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في 2024 مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بتهم جرائم حرب، منها تجويع السكان عمداً في غزة، بينما يظل ملف الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية قيد النظر.
ربطُ الخطة رفعَ الحصار عن الغذاء والدواء بشرط موافقة حماس على الاتفاق يشير إلى تسييس المساعدات الإنسانية ويقوّي حجج المحكمة الجنائية الدولية حول تسليح المعونات. كذلك، صرح نتنياهو لاحقًا بالعبرية أن القوات الإسرائيلية ستبقى في معظم غزة وأنه لم يوافق على قيام دولة فلسطينية مستقلة؛ إذ تحدّثت الخطة عن احتمال وجود "مسار موثوق" نحو تقرير المصير دون الاعتراف بحق الفلسطينيين القانوني في أراضي عام 1967.
أضعفت هذه الخطة الآليات الدولية التي دفعت دولًا للاعتراف بفلسطين وفرض قيود على السلاح وعقوبات، ولذلك يجب على الدول الموقعة على إعلان نيويورك والمشاركة في عمل المؤتمر أن تواصل السعي الجماعي والفردي لوقف الحرب وتفكيك الاحتلال، وأن تضغط على الإدارة الأميركية لإعادة صياغة الخطة لتنسجم مع الشرعية الدولية. فشل المجتمع الدولي في ذلك سيطيل المعاناة ويعطي الغطاء لمزيد من الانتهاكات ويجعل دولًا ثالثة شريكة في استمرار الجرائم بحق الفلسطينيين.
https://carnegieendowment.org/emissary/2025/10/us-israel-gaza-peace-plan-deal-distraction?lang=en